
تأطير:
هناك سؤال فرض نفسه علي بقوة وهو: هل لعب الشيخ ولد باهه دور (العميل المزدوج) فيما سبق ليكسب من المرحوم احميدة ولد بوشرايه وليتربح من نظام ولد الطايع ومن أطراف ثالثة (على ظهره)؟!!...في سؤال يعري حقيقة عقدته المتأصلة من الرجل صاحب المكارم والأفضال،..وهو الانطباع الذي أثارته بقوة في خاطري مقابلة قدم فيها هذا المحامي والدبلوماسي السابق على قناة صحراء 24، روايته عن حقيقة ثروة المرحوم إحميدة ولد بوشرايه، وعن المؤامرة التي حيكت له في نهاية عقد ثمانينات القرن الماضي لإخراجه من قطاع الصيد..حيث تكلم هذا الرجل من وحي الخيال والتلفيق ليكشف نفسه ويعري جميع أوراقه في الماضي والحاضر، وذلك لكل من يملك أدنى قدرة على التحليل والتأويل.
تضليل وتضارب:
قدم ولد باهه ثلاثة أفكار رئيسية بقي يلح على تسويقها للرأي العام الوطني على طول مقابلته، والتي تمحورت كالتالي:
- الفكرة الأولى: ترمي لاستبعاد أن يكون احميدة رجل أعمال أو له مقومات ذلك!!، من خلال توظيف ولد باهه عبارة (امسيكين) وهو يتحدث عن احميدة، مع تكرير أنه لم يملك يوما ولا سفينة صيد واحدة!!...وبما يعني سلبه للمرحوم ثروته التي كانت الأكبر بين معاصريه من رجال الأعمال، وبتسويق مغرض متناقض.. فالأسطول الذي كان يشغله احميده (29 سفينة حسب ولد باهه و23 سفينة بحسب من عملوا مساعدين لاحميدة ممن التقينا بهم) مملوك للدولة الاسبانية!!! مع نسبة قليلة لخواص إسبان أيضا!!..وكلما كان يربط احميدة بالأسطول أنه يتقاضى عمولة على كل سفينة ...وأنه يوظفه في الاقتراض من البنوك لتشغيله(ألا تتعجبوا كثيرا معي من موقف ولد باهه المصر على تقزيم احميدة إلى كل هذا الحد وهل يعكس ذلك غير الحقد والكره الذي لا مبرر له!!).
الفكرة الثانية: التي سوقها ولد باهه من خلال المقابلة أن نظام قريبه ولد الطايع لم يظلم احميدة ولا من ارتبط اسمه بمعاقبته من المسؤولين (محمد سالم ولد اكحل – وجينغ بوبو فربا – وسيد ولد الشيخ عبد الله).. وإنما عاقب الجميع بسبب أعمالهم، وبهذا التبرير المتهافت والغريب (تمت معاقبة احميدة بسبب عدم نجاحه في تحويل ملكية سفن الدولة الاسبانية التي لا علاقة له بها - بحسب ولد باهه- على اسمه!!..في حين تمت معاقبة الآخرين لأنهم قبلوا أن يغرر بهم احميدة ويوظفهم لدفع ثمن السفن للدولة الاسبانية من أموال الدولة الموريتانية!!!!) ..ليأتي ولد باهه بعد أن عين سفيرا في مدريد ويسوي أوراق الملكية لصالح احميدة، لا ليدفعها لصاحبها كما يمكن أن يتوقع بحسب العقل ومنطق الإنصاف!،..بل ليسهل مصادرة السفن التي تخصها للجهات التي يشتغل لحسابها وذلك بهدف إخراج احميدة كلية من قطاع الصيد.
الفكرة الثالثة: التي حاول أن يسوقها ولد باهه ليقنع الرأي العام بتصديق هذيانه وعقده من المرحوم احميدة، أنه يعرف ملف مشكلة احميدة نهاية الثمانينيات مع الدولة جيدا، وأنه جد مطلع عليه ..بل أنه هو جزء منه في بعض من أهم محطاته(الجزء المظلم الذي ربما يدينه بالتواطؤ ضد من جعله محل ثقته ليكافئة بالعمل ضده ومصادرة ممتلكاته)!!...حيث قدم نفسه من جهة في المقابلة كمحام لاحميدة بوساطة من المحامي محمد لمين ولد الحيسن..ومن جهة ثانية بأنه هو من كلفته الدولة بتسوية ملف تحويل ملكية البواخر الاسبانية في إسبانيا على اسم احميدة لمصادرتها منه!( ومن دون أن ينتبه - وهو المحامي الحفيص - إلى ما في الجمع بين هذا الدورين من تناقض صارخ وبما هو أكثر من فاضح!!).
أسئلة مشروعة:
نصل الآن لتقديم بعض الأسئلة والاستنتاجات التي ستثيرها تلك المقابلة عند كل ممحص وذلك على ضوء ما قدمناه من ملاحظات: وأهمها السؤال الذي صدرنا به هذه التدوينة وهو:
ترى هل استخدم ولد باهه قضية احميدة ليأخذ عليها ثمنا مضاعفا...بل أكثر من مضاعف من خلال استغلالها كبقرة حليب يحلبها في كل مرة...حيث بدأ ذلك أولا بقبض الثمن من احميدة كمحام، كما أخذ من الدولة - وهو يعمل ضد موكله - ثمنا على شكل منصب سفير..فيما يمكن افتراض تقاضي ثمن آخر من جهات كانت تقف وراء اإزاحة احميدة من قطاع الصيد بعد ان عرفوا من احميدة فائدة هذا القطاع، وذلك بعد أن تخطى رقم أعماله في سنتين فقط أرقام رجال الأعمال وكبار التجار الذين بدأوا بتجارة السقط وسبقوه بعقود!!.
- هناك سؤال مهم ثان يفرض نفسه عن توقيت الخرجة الجديدة لولد باهه وعودته لينفث سمومه ويفضح عقده تجاه المرحوم احميدة، وعن الجهة التي يشتغل لها والسبب الذي حركه، وكذا عن طبيعة ومقدار الثمن الذي يمكن أن يكون أخذ الآن عليه.. وذلك في وقت تسعى فيه أسرة المرحوم إلى إعادة مظلمته إلى الصدارة وتهيئة عرضها من جديد على القضاء، وهو الذي ظلم حيا حتى ممن وكله مدافعا عنه ..فيما لا يزال هناك من يسعى لظلمه والتشفي منه وهو ميت.
- سؤال آخر أكثر صراحة لسعادة السفير المحترم: هل يمكن حتى للمفارقة أن تفسر لنا سبب ترقيتكم سفيرا وتوجيهكم إلى إسبانيا على وجه الخصوص بعد أن اعتمدكم احميدة في فريق الدفاع عنه مع المحامي ولد. ..نعم بأي منطق سيبرر لنا (ولد باهه) ما اعترف به بنفسه من تكليفه بموضوع شركاء احميدة في اسبانيا لاقناعهم بتحويل ملكية السفن على اسمه سبيلا لمصادرتها منه، وبما يكشف توليه للمهمة الأقذر في موضوع تجفيف مصادر ثروة احميدة في الخارج مقابل ما باشره مع خصومه في تكبيله بديون البنوك في الداخل والخارج بقيمة مليارين كما ذكر بفيه في المقابلة...وبما يعني أن ولد باهه يظل مهندس التصفية الأبرز لإخراج احميدة من الصيد بهدف تهيئته لقرابته من رجال أعمال...في موضوع استخدم فيه كل أساليب التظاهر أولا بالمساعدة كمحام، مع استبطان الدهاء والمكر، وتوظيف سلطة الدولة في وجه رجل أعزل شريف لطرحه أرضا!!.
معي أو علي!
سأختم بما أمكنني استخلاصه – وذلك بصفتي مؤرخا وباحثا اشتغل على كتاب عن سيرة المرحوم احميدة قابلت على أساسه 50 شخصية من محيطه وأصدقائه من رجال أعمال وسياسيين وعمال ومن مستفيدين من كرمه من رجال دين وفنانين وعامة - عن علاقة احميدة ولجنة التعامل مع ملف بواخره والمكونة من جبريل ولد عبد الله رئيسا، وكلا من سيد ولد الشيخ عبد الله ومحمد سالم ولد الأكحل وجينغ بوبو فربا كأعضاء، فيما يمكن تلخيصه بأن أعضاءها انقسموا على الموقف المناسب مع احميدة، حيث ذهب رئيس اللجنة - والذي كان موظفا من قبل خصوم ومنافسي احميدة – إلى ممارسة كل الضغوط لعمل تسوية تصادر بموجبها جميع أملاكه المرتبطة بالصيد كما تحقق بشهادة ولد باهه الذي اعترف بتولي تحويل السفن على اسمه لمصادرتها منه.
وذلك في مقابل تحفظ باقي أعضاء اللجنة الآخرين جميعا على ممارسة أسلوب التشفي مع احميدة وصياغة حل يحفظ له ما يمكن من حقوقه، في إجراء رفضه جبريل ولد عبد الله وسعى إلى معاقبتهم عليه (من منطق إما أن تكونوا معي أو أحسبكم علي) بتأليب ولد الطايع عليهم لأنه لا يحقق أغراض من ورطوه في الملف بإخراج احميدة كلية من قطاع الصيد حتى يبقى لهم وحدهم، وتوظيف جبريل لأمثال ولد باهه لتحقيق ما يريدون!!، في موقف تزكيه مقولة احميدة في مقابلة مع صحيفة 15/21 بتاريخ 4 – 11/08/2002 (المسؤول عما تعرضت له شخصيا من محن هو وزير الداخلية الأسبق جبريل ولد عبد الله، سامحه الله..فقد دخلت المعتقل على يده وأنا أكبر رجل أعمال في البلد، وخرجت منه لا أملك إلا دراعة واحدة من الشكة كانت لباسي الوحيد طيلة فترتي في المعتقل)، وبما يشهد على صحته أيضا ما مثله إعادة الاعتبار لنفس الأشخاص من قبل ولد الطايع، بعد أن تأكد من حقيقة موقفهم المسؤول وبأنهم ظلموا دون وجه حق، فيما تحفظ ولد الطايع على إنصاف المظلوم الأول (أي احميدة) في موقف يبقى يؤسس لخلفيته المثل (الكرظه إلى ما حاكت اتخل الوجه المكشر).
محمد باب موهدا
باحث ومؤرخ